Wednesday, January 23, 2013

يوميات باحث عن عروسة - بارت سفن "الحتة الاولانية"

الجزء ده طول منيفهنزله على كذا حتةإنجوي
:)


يوميات باحث عن عروسة - بارت سفن
"الحتة الاولانية"
--------------------------------

"الواد مبقاش طبيعي خالص" تردد أمي في خفوت
" أنا حاسس إنه محتاج يكشف" أبي يرد في توجس
"هوه فين طبق الجيلي يا جدعان؟" أخي يحشر أنفه كالعادة ،
لكن "تبريقة" من أمي جعلته يعيد التفكير،
قبل أن يوليها ظهره وهو يتمتم "حرام، دانا مضربتش غير طبقين بس!"ه



يعود أبي وأمي إلى همهماتهما التي تصل إلى أذني بسهولة،
وكأنهما يقدمان برنامجاً إذاعياً يستهدف ضربي في مقتل.
يشككون في قدراتي العقلية والاستيعابية والبشرية،
لكني طبعا لا أهتم، وأعود من جديد متابعاً الفيس بوك بعدة مشاعر متناقضة


لا يزال أبي يعطي تحليلاته السياسية :
من ساعة ثورة تونس ما نجحت، وهو جايله هستريا،
شوية يهيص ويزغرط، وشوية يقعد في زاوية لوحده يسمع النشيد الوطني ...
لأ وإيه، مبقاش يدور على عروسة

تهمس أمي: تفتكر يابو تامر ... الواد يعني – الشر بره وبعيد – اتجنن

رد أبي في عصبية : تفي من بقك يا شيخة ... هوه بس ... دماغه لسعت

عقدت أمي حاجبيها في استغراب : إيه ده ؟؟ مش انت قولتلي إنه لاسع من زمان ؟ إيه الجديد بقى ؟


نظر لها أبي في استسلام مشبع بالخنقة،
قبل أن يعود ببصره متابعاً إياي جالساً كأبي الهول أمام الشاشة الفيسبوكية ...

في تلك اللحظات، كنت أتابع في سرية ذاك المخطط الجديد،
بينما قلبي يخفق بعنف كقلب ديناصور طلعله عفريت في الضلمة ...
فمباشرةً، و أمامي على الشاشة، كانت تلك البوسترات تنتشر كالنار في الهشيم،
أو كالكاتشب على حتة البرجر،
أو كالنمل في صينية المهلبية ...

كلها تحمل رقما واحدا يخطف أنفاسك، 25 ...
وكلها تدعو إلى يوم واحد، يوم الثلاثاء، الخامس والعشرين من يناير ...

 شعور غريب بعدم التصديق الممزوج بالفرحة يتخلله خوف مشروع
بينما تتجمع سحب من القلق لتغطي المنطقة العليا من رأسك
مسببة هطول أمطار من الحيرة على أنحاء متفرقة من الدماغ ...

أطالع صفحة الدعوة إلى النزول،
بينما روائح الحرية الطاهرة القادمة من تونس تدعوني في شوق "إني آخد نفس" ،
غاسلاً رئتي الملوثتين بظلم السنين العجاف...

رائحة مغرية لخليط من الحرية بيستوي على نار هادية منذ أكثر من 30 عاماً ...
لذا فقد حسمت قراري، ثم ضغطت على "أتند" بكل ما أوتيت من قوة ...
وعيني تطالع عدد الحضور الذي يتزايد في صفحة "الإفنت" في شغف،
ومع كل رقم جديد،
تزداد تلك القشعريرة في جسدي ...
وتتوغل،
وتتوغل،
وتتوغل

فاضي توغل فاضي كراسي ... توغل جيزة
احم
هذه قصة أخرى هنبقى نحكيها


------------------------------------------


"خليكو جنب بعض يا جماعة ... متخافوش"

يوم الخامس والعشرين من يناير،
وهذا الصوت يتردد في الأمام، حيث لا أراه ...
لكني كنت منشغلا عنه بالالتفاف حولي
فاتحاً فمي في بلاهة ديناصور فرعوني من بتوع خوفو
فوجئ بنفسه يتسوق في سيتي ستارز دون أن يطارده العيال بتوع "العبيط أهو" ...

لم أكن أصدق عيني، وأنا أطالع كل هذا الحشد من الناس ...
كل هؤلاء فعلا لم يضغطوا على "الأتند" اعتباطاً و"ينفضوا" ...
لقد قرروا بالفعل النزول حاملين أعلامهم في كف، وأرواحهم في الكف الأخرى

أرى من بعيد العديد من سيارات الأمن المركزي،
يختفي في ظلها عدد من الضباط ينظمون شطرنج العساكر على رقعة الشارع ...

الجنود المتحفزون يرتدون خوذاتهم ويشحذون هراواتهم،
بينما يتلقى كبيرهم "أبو نجوم" تعليمات تحريكهم في هذه اللعبة
من خلال اللاسلكي الذي يزن بعصبية واضحة في يده ...


لكني هذه المرة، كنت "أنا" مختلفاً
لم أعد خائفاً، لم أعد جباناً،
لم أكترث لعددهم ولا "سحنهم" الغليظة
لقد كنت منفصلاً تماماً عن زمانهم هذا،
لقد كنت بالفعل أعيش النشوة التونسية

"عيش ... حرية ... كرامة إنسانية" ...
يردد أحدهم الهتاف، فيهدر الجمع ورائه بحرقة سنين وكبت عقود ...
نصرخ في لوعة، تكاد حناجرنا "تفط" من مكانها ...

يقترب مني هذا الشاب وهو يردد :
شايف، الناس نزلت بجد، الناس مبقتش خايفة، احنا فوقنا خلاص

لسانه يلقي بالكلمات، وعيناه تحاولان حبس دموع تحجرت في مكانها منذ وُلد،
عيونٌ لم تشاهد في حياتها قط غير هذا الصنم "المتنبل" في أعلى هرم السلطة،
وتلك الحاشية "المترصصة" في باترينة الحكم ...

لم يتمالك نفسه،
أمسك بي يهزني ودموعه تتساقط :
-        احنا أحرار يا جدع، خلاص محدش هيقدر يخوفنا تاني، محدش هيقدر علينا تاني

أخذ يهزني بقوة كأنه يرج علبة عصير فرجللو،
حتى أوشكت نظاراتي على السقوط،

لكني لم أمنعه،
فمع كل هزة كان ينثر عنّي غبار ذُلٍ احتل جسدي منذ سنوات حتى خيل له أن جسدي "تمليك"،
كان يوقظني من جاثوم السلبية الأزلي،
ليضعني على أول خطوة في طريق الحرية ...

توقف عن هذا الزلزال الجشدي
ثم استلقينا في أحضان بعضنا نبكي بمرارة ...
لقد استعدنا حقنا في الحياة

----------------------------



ظللنا نهتف جميعاً،
ونتحرك في حماس ونشاط صنعه هذا الحشد المصري الصميم،
الذي لم تكن تراه إلا في صلاة جمعة او عزومة رنجة

ثم انتقلت تظاهرتنا إلى التحرير،
لأفاجئ هناك بهذه الأجساد الطامعة في الحرية،
والتي غطت أرضه حتى لم تعد ترى الأسفلت تحتك،
بينما تتردد أخبار ان عددنا قد وصل إلى 30 ألفاً!! ...


ياللهول، داحنا فعلا كتير !
أخذنا نهتف بشدة مع ذلك الشعب الرائع،
نهتف حتى تبح أصواتنا، ثم نتوقف لبرهة ونجلس أرضاً لنرتاح قليلا،
بينما "ذوو الملابس السوداء" يبدون صامتين كالأهرامات،
مترقبين كالقطط الخائفة،  
لكنهم مع ذلك، يحيطوننا بشكل حصاري مطبق ...

أسدل الليل عبائته المظلمة فوق رؤوسنا،
ليتوحد لونياً مع بدل الضباط وقلوب الحكام،
بينما نحن مستمرون في الهتاف، الذي تحول إلى "الشعب يريد إسقاط النظام"...
شعار هزنا جميعا وتوحدنا خلفه لا إرادياً،
وكأنما كنا "بندور على عيل تايه"،
شعار لخص معاناة جيل بأكمله ..

بعدها، في أحد فترات الراحة،
تعرفت على الشاب "اللي كان عمال يهزني فايبريشن" ...

اسمه "حسن"،
لم يزد عن ذلك، لأنه أفهمني أن عناصر أمن الدولة "مرشقين" أكيد في كل حتة،
وربما أكون أنا منهم، لذلك لن يستطيع مصارحتي بالمزيد ...

أومأت برأسي متتفهماً وأنا أردد :
كلنا يا عزيزي أمن الدولة

نظر لي بترقب،
فاستدركت : قصدي ... كلنا مقلقين من أمن الدولة يعني

راقبني بضع لحظات بطريقة المسح الشمولي،
ثم نقل نظره ببطء للسماء "المرشقة" بالنجوم ...
سكت برهة ثم قال:
-        تفتكر يا "تامر" ... هنعمل حاجة بجد ؟؟

رددت بثقة : إن شاء الله طبعاً ... ده انا مكنتش متخيل إن ربع العدد ده ممكن ينزل

سكتة أخرىمنه، توحي بالغوص في بحر عميق ... ثم قال :
 يا رب ننتصر ... احنا تعبنا بجد من الذل ده

كان "حسن" يبدو شاباً ميسور الحال،
ملابسه "تيمبر لاند"، كاوتشه "أديداس" موبايله "آيفون" ...
لا يبدو أنه يريد "عيش وملح" والحوارات دي ...
إنه فتىً يبحث عن الكرامة التي كان مبارك يرتديها اسفل نعله كل يوم،
واضعاً أحلام الشباب وآدميتهم في قبو قلعته الأمنية المحصنة

ظل "حسن" شارداً لفترة،
حاولت أن أسري عنه، فقلت له وأنا أشير إلى السماء:
-        متقلقش يابو علي، الناس كلها مبسوطة ومستعدة تضحي ... حتى بص، دول بيضربوا صواريخ في الهوا وبيحتفلوا

هنا، اتسعت عينا "حسن" في ارتياع وهو يهب واقفاً ساحباً يدي معه :
-        حاسب ... دي قنابل غاز يا أهبل ... اجري ... اجرييييييييييييي

وتلبش الموقف بغتة
.
.
.
.

(يُتـــبع)
.
.
.



No comments:

Post a Comment