Saturday, July 10, 2010

يوميات باحث عن عروسة – بارت زيكس


عندما تكون في مرحلة الدراسة، تكون كل أمنيتك في الحياة – قبل ما تموت - ، أن تتخرج وتنتهي من جبل الكشاكيل والملازم والمحاضرات وتصوير الورق أبو شلن للطلبة ...
لذا تظل تحلم بهذا اليوم كسندريلا تحلم بفردة حذائها المفقود منذ خمسة قرون، ليصير طموحك في الحياة أولاً وأخيراً لا يتعدى اثنان لا ثالث لهما: التخرج والزواج ... حتى أضحي السؤال التقليدي "نفسك تطلع إيه يا حبيبي؟" له إجابة غير تقليدية " نفسي أطلع من المدرسة دي" أو "نفسي أخلع من أم الكلية دي"

وما إن يحصل الفتح، ويُرفع البلاء، وتكتشف إنك بسلامتك اتخرجت ... حتى تفاجئ بفاجعة السنين، وحوار الأجيال المتحورة، وصدمة الإبل العقيم ... لقد بدأت أولى خطواتك في بحر الظلمات المسمى "دنيا" بكل ما تحويه من طرق مظلمة لا تحتوي عمود إنارة واحد سليم، تماما كحال شوارع حكومتنا المصونة، ولتبدأ التخبط في أمواج من الهموم التي تغرقك لتؤكد لك معنى "مطفحتش من نيلها يا محترم؟"...
هذا – طبعا- ما لم يتواضع الجيش ويقبل بك عضوا في صفوفه العسكرية، حتى تحصل على "شرف" الانضمام والتهزيق والمرمطة ..

لذا ... كنا نطلق على من نجح في المرور بتلك الصعاب، ثم استطاع الزواج، بأنه "دخل دنيا" ... دعك طبعا من أن 99 بالمائة من المتزوجين يعلم بأن ما دخله هو الجحيم متنكرا في شكل قفص ذهبي، لكنه على رأي السيد الوالد "شر لا بد منه" ...

ومن هذا المنطلق الذي انطلق منطلقا ليطلق بالثلاثة، فقد اتخذت قرارا مصيرياً ... ما دمت أنا الذي "تمرمط" في هذه الدنيا الكئيبة، وما دمت أنا – بسلامتي- الشخص "اللي هيلبس" ويقوم بشراء شقة، ثم تجهيزها، ثم التكفل بالفرح والليلة كلها ... إذن فمن حقي كمواطن مصري ... احم ... آسف، نسيت إن المصري حقوقه اتلغت في الفيرجن الجديد من الدستور ... إذن فمن حقي كشاب يرغب في الزواج، وسيدفع "دم قلب اللي جابوه" في هذا المشروع الاستثماري ... أن يكون لي شروط ترضيني بأن أخاطر هذه المخاطرة الغير محسوبة ... وقد كان

----------------------

نظر لي "مراد" صديقي الصدوق نظرة استغراب، بينما عينه تشملني "رايح جاي" كماسح ضوئي يتأكد من خلوي من أي بونبون نووي ... ثم ردد :
- نعم ياخويا ؟ ... أجيبهالك منين واحدة عندها عين خضرا والتانية زرقا يعني ؟

- مليش دعوة ... دي مواصفاتي ... كفاية إني مقولتش عايزها بعينين خضر بيقلبوا بليل أزرق نيلي وبعض الضهر عسلي بقشطة

كوّر "مراد" قبضته في نفاد صبر، وكاد يمارس في جسدي الهزيل رياضة الملاكمة التي يهواها ... لولا أن تراجع للحظة، ثم .. شهيق عميق، زفير حار ملسوع ... وقال وهو يجز على أسنانه التي عانت مني "البلاوي" :
- يابن الحلال ... خليك عاقل وواقعي شوية ... اللي انت بتطلبه ده لما نبعت نجيبلك حاجة دليفري من المريخ ... أما نعمل تجارب إشعاعية على واحدة ألمانية براسين ... أما نمسك قطة عورة نمسخها بني آدمة ... إنما بنات الناس مفيهمش الكلام ده يا محترم

- حاجة غريبة ... يعني الواحد ميتمناش يعني ... ده أنا هكع الشئ الفلاني، وهجيب شقة و هــ ...

- يا عم الحاج فلقتنا بأفكارك بتاعة الفكر الاستعماري دي، يعني مش دي في الآخر شقتك ومراتك والبانيو بتاعك .؟

- والصابونة الكامي كمان

- ماشي يا ريس، أنا موافق ... ومفيش مشاكل تشرط كمان، بس بعقل

- خلاص خلاص ... هتنازل عن موضوع العيون ده بس، ممكن يبقى لون واحد مفيش مشاكل ... غير كده نو واي

- ماشي يا عم الـ "وان واي" ... شروطك معايا ... هدورلك وأرد عليك

- أوكي يا ماي فريندز

- فريند بس عشان مفرد يا جاهل !!

كان هذا قراري الفلكي الكومبو، سيصبح لي شروط في زوجة الغد "زيي زي بقية الخلق"، ولن أتنازل عن هذه الشروط .... أبدا

------------------

بعد أسبوع

- إيه يا مراد ... مفيش إنيسينج نيو ؟؟
- مرارتي يا عم الحاج فرز تالت ومبتستحملش ... كلمني زي ما بكلمك وارحمني
- قصدي مفيش حاجة جديدة ... لازم أترجملك يعني ؟؟
- الموضوع مش موضوع ترجمة ... المشكلة إن شكل في قطة لعبت بلسانك صلح وانت صغير ... نهايته، لسه بدورلك يا عم، اتقل شوية

-------------------

بعد 28 يوم

- مراد ... عامل إيه يا ريس ؟
- كله تمام
- ها ... لقيت عروسة كويسة ؟
- مواصفاتك صعبة، كأني بدور على إيميل تايه في صفحة السبام ... اصبر شوية يا عم

طبعاً ... سأنتظر ... فأنا لن أتنازل عن هذه الشروط .... أبدا

-------------------

شهر ونصف

- مرااااااد ... حبيب هارتي ... واحشني فحت لدرجة ...
- لسه يا عم ... مفيش جديد
- .............

لن أتنازل .... أبدا

------------------

3 شهور

- مراد
- نعم ؟
- إيه ؟
- لسه

لن أتنازل ... بس مش قوي يعني

-----------------

3 شهور ويومين

- تامر
- نعم ؟
- ابسط يا بتنجانة .... لقيتلك عروسة
- يامانتاااااااااا كريم يا رب ... و ... إيه ؟
- زي ما طلبت ... بتنور في الضلمة، تلات سرعات، ضمان سنتين بالتاتش سكرين
- هنهرج يا عم الحاج ... أنا أعصابي بايظة خلقة وعاملة زي الجيلي بالكاتشب ... اتكلم على طول
- بص ... واحدة متدينة، وحافظة قرآن، أهلها ناس محترمة جدا وسألت عليهم بنفسي
- و ... هيه، إيه النظام ؟

نظر لي نظرة خبث بينما ابتسامة صغيرة تكشف عن بعض أسنانه البيضاء ... الخبيث، لا أعلم لماذا يستمتع البعض بتعذيب الآخرين وإحراجهم، أعتقد أنها إحدى عقد السادية التي لا تزال تتوارثها إنسانيتنا "المقطئطة" ... قطع أفكاري وهو يتابع :
- البنت ... آه ... بص يا باشا، اتفضل، المواصفات باعتهالك الوسيط

مد يده بورقة مطوية، وكأنه يمد لي بأسرار تصنيع حلاوة الرشيدي الميزان، اختطفتها بلهفة كما لو كانت تحوي وصفة الشباب الأبدية ... فضضتها وبدأت في القرآءة و ...
لمعت عيناي في نصر مظفر كأحد مصابيح أضواء الأفراح الملونة ... مددت يدي مصافحاً وأنا أردد :
- ميه ميه ... جو أهيد ماي بروزر ...
- ارحم أهلي !!

----------------------------

في صالون منزل العروسة، جلست – بكامل قواي العقلية – مع والد المحروسة – العروسة مش مصر - ... كان والدها من الناس الذين تستأنس بكلامهم، تحدث في كل شئ : السياسة والعلوم والزراعة والبطيخ، الأزمة النووية وعلم الانشطار ودودة القز واللي مقزش، ارتفاع الأسعار وتحديد النسل وأزمة الانترنت وطريقة تقفيل نييد فور سبيد ... باختصار، نشرة أخبار ملخصة للأحداث الأخيرة، لكنك لا تمل من حديثه أبدا ...
أبدا ... حتى تدخل العروسة

فما إن دخلت الأخت الفاضلة ... حتى نسيت كل وصلات المواضيع بيني وبين والدها، ولم أعد أعرف هل دودة القز هي المسئولة عن الانفجار السكاني، أم أن البطيخ محظور لأنه يستخدم في المفاعلات النووية ... لايهم، فليذهب كل هؤلاء إلى القمر مشياً أو ببسكلتة، ولأركز أنا في التخطيط لمستقبل حياتي "المشعشع" ...

فعلا، الورقة كانت – ولأول مرة منذ بدأت مشوار البحث إياه – كانت صادقة في الوصف ... فتاة جميلة، شقراء، متوسطة الطول ... تشبه كثيرا فرع مدينة نصر في ألمانيا ... بالتأكيد مدينة نصرهم تغطي كل أنحاء جمهوريتهم الاتحادية، فكل من عرفتهم من ألمانيا كانوا يبدوون كما لو كانوا خرجوا للتو من غسالة صحون فول أوتوماتيك وهم يقطرون لمعانا ونظافة ...

نعود للعروسة ... كان وجهها مريحا جدا، وعيناها – صدق أو لا تصدق – خضراواتان، تذوب فيهما غرقا ... رغم أن بهما شيئا ما لم يرحني، ولكن ربما كنت واهماً ...

جلست عروستنا الفاضلة بكل رقة وهي ترتدي حجابا زادها ملائكية من تلك التي تسمع عنها في الروايات، ولا تراها إلا في الأحلام كنسخة للعرض فقط دون اقترابٍ أو تصوير ... ثم دخلت أمها بعد ذلك، الآن تستطيع ان تعرف من أين ورثت الفتاة ذاك الجمال الكوني الآسر ... استرقت النظر إلى والدها، ثم تمتمت حمداً أن جينات الأب لم تلعب لعبة دنيئة في وجه الفتاة المسكينة ...

كان اسمها "حنان" ... يا سلاااااام، يدل على الكثير ... أنا متأكد أن قلبها وحده يحسد نفسه على وجوده في جسدٍ حانٍ كهذا ... المهم ... بدأنا الاستجواب ... أعني ... النقاش

- ازيك يا حنان ؟
- كويسة تمام
رد غريب، وتلقائية سريعة ... مش مهم، نركب منظم
- عندك كام سنة يا حنان
- 17 وداخلة على 18
- وبتدرسي فين ؟
- كلية آداب قسم عبري .. وانت ؟
- خريج آداب برضه، قسم مكتبات ... بس بشتغل في مجال تاني شوية
- مجال إيه ؟
- يعني ... بشتغل مصمم جرافيك
- إيه ده ؟ ... يعني بتعملوا أفلام كارتون ؟

قالتها بفرح مرح، جعلتني أتمنى لو "أتسخط" فيلم كرتون على ديفيدي في التو واللحظة ... لكن هذا –في نفس الوقت- أقلقني شيئا ما، أحب أفلام الكارتون – وهذه حقيقة علمية يجب عليك عزيزي القارئ أن تعرفها - لكني في نفس الوقت لا أحب أن تتأثر العقول بهذه التفاهات التي تبث أفكاراً مخالفة لما اعتدنا عليه و ...

- يعني حضرتك شغال في ناروتو ولا مازنجر ؟؟

أفقت على سؤالها الذي زاد من شكوكي لدرجة جعلت توم وجيري "يلعبوا في عبي" ... لكني رددت عليها :
- احم ... الحقيقة ... مش بالضبط ... أنا شغلي أكتر في البرامج التلفزيونية وما شابهها

أحست الفتاة بخيبة أمل ... ربما كانت تتوقع أن أكون أنا باتمان متنكرا في هيئة شاب مصري يطلب يدها للزواج ، بينما سيارتي الوطواط تركن في الأسفل محتلة الناصية بدلا من عم حسين بائع البطيخ الذي صفيته في ثوانٍ باستخدام شفرات باتمان اللورد .. لكن الحقيقة دائما ما تكون أكثر واقعية

قلت محاولاً العودة بدفة السفينة إلى مجرى نهر حديثنا السابق :
- ويا ترى ... هواياتك إيه ؟؟

هزت رأسها في تفكير وهمي متذكرة .. ثم قالت :
- يعني .. أتفرج على تلفزيون، أقعد على النت، كده يعني
- ويا ترى ... بتقعدي على النت تعملي إيه ؟؟
- بأعمل شات مع صحابي ... بنزل أفلام كارتون ... بلعب جيمز

بدأ الشكل العام لهذه "الدماغ" يتكون امام ناظري ... لكني أحب الأمانة العلمية وأمانة الضمير وأمانة الحزب الوطني ... لذا قررت متابعة التحليل السردي للتجربة، أقصد للفتاة
- ويا ترى حافظة قرآن ؟

ابتسمت ابتسامة طفولية مرددة في حماس مرح :
- أيوه ... أنا رحت المسجد وأنا في ثانوي ... وحفظت جزء عم
- جزء عم بس ؟ ... طيب ومن ساعتها محفظتيش حاجة تاني ؟

هنا تدخلت امها، كعادة كل أمهات مصر اللواتي يحاولن إنقاذ بناتهن من مكاتب الاستجواب وبحور العنوسة وهيئة السكة الحديد، مرددة :
- أصلها دخلت في امتحانات الثانوية العامة وبعدها الكلية فانشغلت شوية ... مش كده يا حنان ؟
- أيوه ... زي ما ماما قالت كده

هممت بأن أشير بيدي إلى "ماما" لتسكت كأي ضابط أمن دولة عريق، ثم اصرخ فيها أن "شات أب" ... لكني أدركت ان هذا سيكون قلة ذوق مني، بالإضافة إلى أن إنجليزيتي في النطق تعود لأيام التعليم في عهد تحتمس الأول ... لذا آثرت سلامة موقفي "عشان متهزقش قصاد البنية" ... ثم تابعت :
- طيب إنتي إيه اهتماماتك ؟ وناوية تعملي إيه بعد التخرج ؟
- ولا حاجة ... هقعد أتفرج على تلفزيون أكتر

قالتها وضحكت ضحكة خفيفة طفولية أخرى ... لألاحظ ذلك الشئ ثانيةً في عينيها ... إنها تلك النظرات، نظرات طفل حائر، لا يدري من الأمر شيئا ... كل ما تفكر فيه هو هو متعة وقتية وعبث غير هادف ... حياتها تلفاز وأصدقاء وألعاب و ... أفلام كارتون "بالعبيط" على ما يبدو

ابتسمتُ في استسلام بينما هي تتابع كيف أنها في دراستها لا تستطيع متابعة المسلسلات كلها، وأن أمها تمنعها من استخدام الحاسوب فترات طويلة، وكيف أن أخاها يشاركها الوقت على الجهاز، فيمنعها أحياناً من الجلوس ... زادت ابتسامتي يشوبها بعض المرارة، ها هي فتاة بكل متطلباتك الدنيوية، جميلة، ساحرة، مفعمة بحيوية الشباب واندفاع الأطفال .. لكنها في الوقت نفسه تعاني خوائا وجدانياً، لا تملك من الثقافة إلا التلفاز، ولا تفكر في مستقبلها، بينما رصيدها الديني لا يتعدى حجابا وجزء عم ..

أكملتُ الجلسة في نقاش مرح، بينما أدركت أن الموضوع لن يتم ... هنا تذكرت قول أخي ذات مرة "أصعب حاجة، لما تقتنع إنك مش هتاخد الإنسانة دي ... لكن مضطر تكمل الموضوع للآخر وكأن شيئا لم يكن، عشان محدش يتضايق"

أنهينا تلك الأمسية الجميلة، شكرت والدها على باب المنزل، وأخبرته أني سأصلي استخارة ثم أرد عليه ... وفي نفسي أنه ربما يجد جديد بعد الاستخارة ...

مرت ثلاثة أيام وأنا أصلي استخارة، بينما يدور الحديث بيني وبين نفسي :
- انت عبيط يابني ؟ ... بعد ما لقيت البنت اللي نفسك فيها، هتسيبها عشان خاطر حاجات بسيطة ؟
- أولا احترم نفسك يا جدع ... ثانيا الحاجات دي مش بسيطة
- يا عم ما هي ممكن تتصلح مع الزمن ... البنت كويسة إديها فرصة
- يابني دي لسه عيلة صغيرة، هتشيل هم زوج وبيت إزاي ؟ ... هتفهم أفكاري وطموحاتي إزاي ؟ ... هتضربني وأضربها إزاي؟ ... انت مشفتش إعلان "الراجل مش بس بكلمته " ؟؟؟ ... عايزنا نعارض الحاكومة
- يا ريس ... فكر فيها كده، الصغير مصيره يكبر ... والورور مصيره يفهم ... ولا انت عاجبك العيشة الناشفة اللي انت مدبسنا فيها دي ؟؟
- ما هو يا أتجوز واحدة قد المسئولية ... يا ما اتجوزش خالص
- جتك نيلة شاب فقري !!

أخذت استشير من حولي من الأهل والأصدقاء ... وهم ما بين مؤيد أومعارض أومنضمٍ لدول عدم الانحياز، حتى استقر رأيي على القرار المصيري ... لأرفع سماعة هاتفي طالبا الانتربول ... أقصد .. مراد:
- أيوه يا مراد ... إيه الأخبار ؟
- كله تمام ... انت اخبارك إيه؟ ... طمني
- معلش يا مراد ... بلغ الناس إن الموضوع قسمة ونصيب

سكت مراد لحظات مرت عليّ كفيل مسرع رايح مشوار اسكندرية وجاي على طول، ثم رد :
- انت متأكد ؟ ... انت عارف أنا دورت قد إيه لحد ما لقيتلك المواصفات دي ؟
- عارف
- وعارف إنك قرفتني آخر قرف إزاي ؟
- عارف
- وعارف أنا راضي بهمك ليه ؟
- عشان الاتنين جنيه اللي سلفتهوملك تروح بيهم ؟
- لأ يا ندل .. عشان انت خنيق بس حبيبي ... حاضر يا ريس، هبلغ الناس وأشوفلك حد تاني
- متشكر جدا يا مراد ... انت أثّرت فيا ... أي ويل كراي
- لا يا عم، "كراي" في حتة بعيد ومتغرقناش ... كفاية السقف اللي بينشع عليا هنا
- شكرا يا مورو ... بقولك إيه صحيح
- خير ؟!
- ابقى قطع ورقة المواصفات اللي معاك يا ريس ... طلع إن الراجل ... فعلاً ... مش بس بكلمته

---------------------

هذه القصة تأتيكم برعاية

المعادلة الرباعية


Friday, February 5, 2010

يوميات باحث عن عروسة - بارت فايف




يوميات باحث عن عروسة – بارت فايف



تثائبت في ثقل مثقل بكل أحاسيس النوم في هذه الدنيا, وكلي يقين أن حتى الأخ دراكولا نفسه لن يكون أكثر حاجة إلى النوم مني في هذا الوقت
... هرشت في رأسي حيث أحس بصداع كومبو، كما لو كان رأسي موضوعا ككرة قدم في ماتش
لنهائي نوادي أفيال أفريقيا ... تبا !! لقد ركل هذا الفيل الغتيت رأسي من جديد
بزلومته الحلزونية، ليعود الصداع يرج رأسي في نشوة أشد ...


أين أنا الآن ؟؟ ... قد تعتقد أني كالعادة أمام شاشة
الحاسوب أمارس هواياتي المفضلة من إصابة نفسي بكل أنواع الأمراض، بدءا من الإرهاق
مرورا بالصداع وآلام الظهر واحمرار العينين وصولا إلى حالة التمبلة الـ "أن
ليميتد" ... أو قد يخطر ببال آخر أن الظروف فرضت علي القيام بدور
"نينة" أطفال لأختي الصغرى "الغلباوية" ...

لكن الحقيقة المزعجة المؤلمة الغريبة فحت، هو أنني راقد
على السرير أعاني من صداع وإرهاق، مع عدم القدرة على النوم !!! ... نعم، ضع ما شئت
من علامات تعجب، فإن لم يكن إنسان في حالتي المزرية لديه قدرة على النوم، فمن
يحتاجها غير زومبي ميت منذ 3 أسابيع ؟

ومع هذه الحالة الروحانية العالية التي تصل بك إلى قمة
التهييس، لم أجد بداً من تضييع وقتي الثمين "الضائع خلقة" في التفكير في
شئ يساعد على النوم .. وماذا يكون هذا الشئ ... أحسنت ... إنه التفكير في عروسة
جديدة عشان أقفل 30 عروسة وأدخل موسوعة جينيز كأكثر الأشخاص نحساً على
وجه الأرض بدل ما ادخل دنيا ...

طبعا مع معرفتي بأني استهلكت أفضل الفرص ولم أنجح فيها،
فقد بدأت في مراجعة لستة "الهوالك" ... ولمن لا يعرفها – خصوصا الشباب
اللي لسه طازة وفي بداية المشوار – فهي تلك المجموعة من العرائس، اللاتي عندما تم
ذكرهن أول مرة، رفعت عقيرتك بصويت يصل صياحه إلى أعمق بحيرة في المريخ – إن كان
المريخ به بحيرات – مستنكرا مجرد ذكر اسمها، لأنها لا تلائمك شكلا أو مضمونا، ولو
حطيت عليها شقة وعربية وبوستين .

أخذت أراجع اللستة بنصف وعي ... هناك سماح بنت عم كرشة
بتاع كشك السجاير، والتي عاكسها نصف شباب الحي وخرج معها في سهرات عاطفية النصف
الآخر... وأيضا سمر عضلات، حائزة على بطولة الجمهورية في المصارعة ثلاث مرات وتدير
الجيم تحت بيت عمتي، التي تراها واحدة من البنات الأكفاء "ولاد البلد
الجدعان"، فعلا، ولاد !!

ثم يخطر ببالي على السريع صديقة اختي التي أخبرتني كم
انها عاطفية وحساسة، هذا شئ جميل ... لكن أن تصل الحساسية للبكاء نصف ساعة حتى
الإغماء لأن أختي أرسلت لها رسالة "بليز كوول مي؟؟" فهذه مشكلة تحتاج
إلى إعادة نظر ونظارة ...

استمرت "داتا بيس" عقلي تلقي بالاختيارات وأنا
ألقفها على صدري ثم أخبطها "هيد" نحو خانة "مش هينفع" ... حتى
وصل الأمر إلى إحراز أهداف بكل كرات العرائس إياها دون جدوى ... يبدو أن هذه
اللستة ستظل "في الباي باي" حتى النهاية ...

فجأة رن هاتفي على النغمة الروشة ... سرينة المطافي ..
التقطته بسرعة قبل أن يوقظ صوته قوات مكافحة الدوشة فتطب على منزلي بتهمة الإزعاج
بينما تترك فرح بنت أم "وي وي" يجلجل في الأفق.

رددت، وعلى الطرف الآخر كان رفيق عمري "مراد"،
وبعد السلامات والاستسلامات والتغتيت على بعضنا البعض، بادرني قائلا :

- بقولك إيه يابني ... عندي عروسة

- يا عم ما قولنا كفاية ... قفايا مبقاش مستحمل ضرب خلاص

- لا يا عم ... دي حاجة متنقية، وعلى ضمانتي

- قول طيب

دردش معي في مواصفات تبدو معقولة ... ثم أعطاني رقم هاتف
والدتها لأن والدها يعمل بالسعودية، وطلب مني الاتصال بها، وإخبارها أني من طرف
"مراد" ...

أخبرته أني سأنتظر قليلا حتى يزول عني ما أظنه دور برد،
لكنه أصر أن "لا تؤجل عروسة اليوم إلى الغد"، و"رؤية في اليد خير
من عشرة في الشباك" ... أخبرته أني سأتركها للتساهيل

-------------------------

صباح اليوم التالي ... أحسست اني أحسن حالا، ولو أن
حرارتي لا تزال "ملسوعة حبتين"، لكني قررت الانطلاق إلى معتقل أبو زعبل
... أقصد، مقر العمل ... فارتديت ملابسي ونزلت السلالم زحلقة من على الدرابزين
كأجدع واد شاطر ...

بعد الانتهاء من العمل، استقللت ميكروباص من نوع
"احشر على قد ما تقدر"، ووجدت فيه مكاناً لنفسي يسع دجاجة مصابة بأنيميا
وفقر دم وتعيش بجناح واحد، لكنه مكان على أي حال ..

وبينما أنا في هذه "السعة الميكروباصية"، خطر
ببالي ان أتصل بأم العروسة "وأهو الواحد يسلي نفسه لحد ما يوصل" ...
أخرجت موبايلي بعد أن فرتكت صدر الرجل على يميني من تريحتي عليه، وكدت أقذف بالذي
على يساري وأنا أخرج الموبايل من جيبي ... اعتذرت لكليهما وهما يكادان يفرتكاني
بنظراتهما، ثم اتصلت بالرقم الذي أعطاه لي "الوسيط"، وأخذت أجمع الاسم
الذي أخبرني به "مراد" حتى تذكرت، "أم سارة"، ياله من اسم
موسيقي ... يدل على الجمال والطيبة و ...

- ألو

باغتني الصوت فجأة ... كان لصوت طفل صغير .. فرددت :

- أيوه ... ممكن أكلم ماما يا حبيبي ؟؟

- ماما مين ؟؟

- ماما مين ؟؟ ... ليه ؟؟ ... همه كام ماما عندك يابني ؟؟؟

- انت مين ؟؟

- قولها واحد من طرف ...

تك ... قفل السكة ... العيل ابن الـــ ... ناس ...

طلبت الرقم ثانية ... أول ما رد الطرف الآخر ... انفجرت

- يعني مش عيب كده ؟؟ ... ينفع تقفل في وشي السماعة ... انت إيه ؟؟

هنا بادرني صوت أنثوي ساحر :

- معلش ... أصله عيل صغير، مكانش قصده

ارتبكت لهذا الصوت ... فتنحنحت ثم رددت :

- لا ... لا لا ... أبدا ... هههه ... دول شباب صغير .. أنا عاذرهم

- مين معايا ؟؟

- احم ... أنا ... أنا مين ؟؟؟

- هنهزر يا استاذ ؟؟؟

- لا مش قصدي ... أنا "تامر" ... كنت عايز أكلم "أم
سارة"

- طيب ثواني

غاب الصوت لبعض الوقت ... ثم عاد من يرد :

- أيوه .. مين معايا ؟؟

- أيوه يا حاجة .... أنا "تامر" .. من طرف "مراد"

- "مراد" مين يابني ؟؟

"الله يجازيك يا عم "مراد" ... وعاملي فيها واصل" .. رددت بالكلمات في
سري داعيا عليه أن يدوخ على عروسة قبل ما يتجوز جزاءا لهذا الموقف المحرج ... لكني
تذكرت فجأة إنه متجوز ومخلف وأنا اللي لسه صايع ... فعدت أكلم "أم سارة"
:

- "تامر" يا حاجة ... يعني ... انت عارفة بقى

- عارفة إيه يابني ... هوه انت بتاع السمك ؟؟ ... انت مجبتش بوري ليه يابني

- لأ يا أمي ... سمك إيه ؟؟ ... أنا التاني

- أيوه أيوه ... مش تقول

- معلش بقى

- وانت هتيجي تشوف الحوض امتى بقى ؟

- حوض إيه ؟؟

- مش انت السباك يا جدع ؟؟

- لأ حضرتك ... أنا ..

ثم نظرت لتلك الأجساد
التي تحاصرني في الميكروباص ... وخفضت صوتي قدر استطاعتي قائلاً :

- "تامر" يا حاجة ... العريس

مع ثقتي بأن صوتي كان منخفضا كما لو كنت أشي بسر من
أسرار مفاعل "ديمونة"، إلا أني أحسست ان أنظار الجميع في الميكروباص
توجهت نحوي في شغف، بينما صوت أم سارة يدوي في التليفون :

- يوووووه ... معلش يابني ... سامحني والله ... مخدتش بالي ... أصل الواحد
مشغول بالبيت والعيال وانت عارف بقى والكيت كيت كيت ...

استمرت هي في طوفان اعتذاراتها وأنا احاول تهدأتها
وطمأنتها وإخبارها أن "مفيش مشاكل"، حتى انتهت من قاموس اعتذاراتها
وبدأنا الحديث "الجد وجداني" :

- بصي يا حاجة .. أنا قلت أكلمك الأول، عشان نفهم ظروف بعض قبل أي خطوة

- عين العقل يا حبيبي

- أنا بس حابب حضرتك تعرفي وضعي إيه ... أنا جرافيك ديزاينر في ..

- جفاريك إيه ياخويا ... ده عيا وحش ؟؟؟

هنا أدركت أن الأم من هؤلاء الناس الطيبين "ربات
البيوت"، الذين لا يعلمون عن الكومبيوتر سوى أن الأولاد "بيلعبوا عليه
العاب" وعن النت إنه "مليان حاجات وحشة" ... لذا قررت اختصار
المشوار على كلينا

- ممكن تعتبريني موظف يا حاجة ... بس ده اسم الوظيفة

- طيب ياخويا ... ربنا يصرف عنك

- المهم إن مستقبل الوظيفة كويس ... وبدور على شقة حاليا و ...

- انت لسه يا حبيبي بتدور على شقة ؟؟

- أيوه ... في مشكلة ؟؟

- لأ ... بس ... انت لسه ملقيتش شقة ... يبقى هتتجوز فين وامتى ؟؟؟ ...
وهتضمن منين إنك هتلاقي بسرعة ؟؟ ... و...

- طيب ... ممكن آجي لحضرتك ونتكلم ؟؟؟

- تنورنا ياخويا ... تحب تييجي بكره بعد العشا ؟؟

- أوكي ... ميعاد كويس ... نو بروبلم

- نعم ؟؟؟

- قصدي ... مفيش مشاكل

أغلقت الهاتف ... وأرجعت ظهري للوراء قليلا، لكن سرعان
ما اكتشفت ان هناك شلة كاملة من البشر تمنعني من ذلك ... ثم رفعت عيني، لأفاجأ
بنظرات الناس كلها نحوي ...مابين شفقة واهتمام وسخرية وتشفي ...

ردد الرجل الجالس على يميني :

- ليه يابني قلتلها إنك بتدور على شقة لسه ؟؟ ... خلي الحاجات دي لبعدين ..

ثم سمعت صوتا أمامي بكرسيين يردد :

- وبعدين روح شوف البنت الأول وبعدين اتفق على كل حاجة ... افرد ما عجبتكش ؟؟

وافقه صوت صادر من اللامكان :

- فعلا ... الحاجات دي بتبقى قسمة ونصيب ... شوف نصيبك الأول وبعدين ابقى عك
زي مانتا عايز

نظرت للناس مذبهلا من معرفتهم لكل التفاصيل، ومن
اهتمامهم للاستماع لمكالمتي ... كما لو كانوا مكلفين من الإف بي آي لتعقب كل من
تحدثه نفسه "بينها وبينه" أن يتزوج ...

هنا ... مالت علي تلك المرأة العجوز برأسها من السقف
مرددة :

- بقولك ياخويا ... هوه إيه "الجَرَافاك" ده ؟؟ ... بيصرفوا فيه
معاشات ؟؟

هيه ناقصاكي يا ستي انتي كمان ؟؟؟


-----------------------------

المكان : بيت العروسة

وصلت في الميعاد ... لا زلت أحس ببعض السخونة ... ويبدو
أن لدي أعراض رشح ما .. لكني أظن أني بخير حال ... ما دمت لم أسقط أرضا في غيبوبة
أو أتحلل فجأة في الهواء أو يخرج من بطني فضائي ما فأنا بخير، بكل خير

حضرت الأم، ثم تبعتها ابنتها ... كانت هادئة، ذات وجه
طفولي، ومع صوتها هذا، أظن أنها مثالية و "سو بيرفكت"

بدأت أتحدث مع والدتها والفرحة تزداد في خلايا جسدي
المفحوتة ..

- وانت يابني لسه هتشوف شقة ؟؟

- أنا ماشي في كذا مشوار يا حاجة ... ومستني بس ردود الناس

أحسست بدغدغة في انفي

- وغالبا كلها شقق كويسة في أماكن قريبة

الدغدغة تزيد

- ويمكن واحدة فيهم كمان تبقى قريبة من بيتكم هنا

أرغب في العطس بشدة

- وعلى العموم هعرف الرد قريب

الرغبة تكاد تصل إلى المحك

- يمكن في خلال أسبوع .... أو ... أســـ .... بو ....
آآآآآآآآتششششششششششششووووو

أخرجت منديلا كتمت به عطستي بسرعة ... ثم ...
آتشوووووووووو أخرى .... استجمعت نفسي قليلا ظاناً أن العاصفة انتهت، ولكن ....
آآآآآآآآآآآآآآآآآآآتشششششششششششششششششششششوووووووو

- آخر واحدة دي كانت صاروخ ...

قلتها وأنا أضحك ... مسحت فمي وعدت للحديث و ...

فوجئت بنظرة الأم وابنتها ... نظرات ملتاعة متسعة كعين
الصيرة، خائفة كماو لو كانت تشاهد بطة عرجاء برأس فأر وذيل سحلية ... نظرا لي ....
ثم صرخت الفتاة في هستيريا

أخذت تصرخ وتصرخ ... حتى أحسست وكأني لص هجم على منزل
أميرة لم ترى في حياتها بشريا آخر على وجه الأرض ... حاولت تهدئتها، فصرخت أمها في
غضب ممزوج بالهلع :

- إيه اللي انت عملته ده ؟؟؟ ... إيه اللي انت هببته ده ؟؟؟

- هببت إيه بس ؟؟؟

- بتعطس ؟؟ ... وعندنا في البيت ؟؟

- إيييييه ؟؟؟ ... هوه العطس عندكو شتيمة ولا كلمة قبيحة ؟؟

- انت عايز تموتنا ؟؟ ... عايز تعدينا ؟؟

- أعديكو إيه بس ؟؟ .... مانا حطيت منديل

هنا صرخت الفتاة بصوتها الجميل الساحر :

- انت كده هتجيبلنا "سوين فلو"

رغم صعوبة الموقف، ورغم انها كانت أول مرة تتحدث فيها "سارة"
منذ جلسنا، لكنها كانت أحلى "سوين فلو" سمعتها في حياتي، ولولا هذا الـ
"سيتيوويشن" لطلبت منها أن تعيدها من جديد مرارا، بل وربما سجلتها لها لأنشرها
كأغنية "سينجل" و ...

- انت إنسان مستهتر ... و .... و ... و ... مش عارف بتعمل إيه

ياللفتاة الطيبة ... تحاول جاهدة أن ترميني بألفاظ بشعة
... لكن قاموسها الملائكي لم يعرف هذه الـ ...

- وجاهل ... وعربجي ... ومعفن ... و"سو
ديرتي"

آآآآه ... واضح إن المشكلة عندها بس إن الاستدعاء بطئ
... لكن القاموس لسه بخيره

تركتهما تنوحان وتبرطمان ... وتوجهت خارجا من باب الشقة،
ثم التفت إليهما ... و"رحت مديها عطسة ع السريع" ، وفررت هاربا ...


---------------------

راكبا في الميكروباص ... مستعيدا تلك الأحداث الغريبة
... ورأسي يتمرجح مع حركات السائق يمنة ويسرة ...

أحسست براحة أني لم أسر في طريق إنهاء هذا الزواج، هذا
ما كان ينقص حياتي، زوجة تخاف من العطس، وتغسل الصابون بالصابون، وتنقع مسحوق
النظافة في "ميه بخل" ... لكنها أحداث أضحكتني رغما عن ذلك، يجب أن أفكر
يوماً في كتابة يومياتي تلك لربما استطعت ان ....

- آآآآآآآآآتتشوووووووووووووو

عطسة صاروخية صدرت من ذلك الرجل بجانبي ... التفت إليه
في قرف مرددا :

- مش تحاسب يا عم ؟؟ ... انت عايز تجيبلنا "سوين فلو" ؟؟


-------------------





يوميات باحث عن عروسة – بارت فور



يوميات باحث عن عروسة – بارت فور



السابعة والنصف صباحاً ...

ها أنا أجلس منذ صلاة الفجر كالعادة على حاسوبي العزيز, أقوم بإنجاز بعض الأعمال وتصفح الانترنت بين الفينة والأخرى, كوب نعناعي الساخن يمدني بالطاقة و"الدماغ" الكافيتان لإكمال مشوار التركيز ... غارقا في كل ذلك, إذا بيد حانية رقيقة تربت على ذراعي ... التفت, آه, إنها "حياة" أختي الصغرى بالصف الثالث الابتدائي ...

لمن لا يعرفها ... هي ملاك رقيق, عليها ابتسامة تذيب القطب الشمالي وتحوله إلى حتة أيس كريم صغيرة, قبلة صغيرة منها تنسيك همومك ولو كنت رئيس منظمة "شايل طاجن سته" ... الغريب ان هذا ما تطالعه نهارا, أما ليلا عند قدوم ميعاد نومها, فهي تتحول إلى شيطان صغير يعيث في البيت صخبا ... أبي من النوع الذي يحب النقاش الهادئ, لذا فهو يرزعها كفاً سوبر تحيلها إلى كتلة من الصراخ التوتري المزعج على سريرها, حتى يغلبها النوم, فتنام مرتاحة, ويرسل أهالي المدينة المجاورة برقيات شكر لنا على انتهاء هذه الكارثة البكائية ...

المهم, أنها كانت في حالتها الملائكية إياها, رغم بوزها العريض لعلمها أنها ستتوجه إلى معتقل التعذيب اليومي, المدرسة ... ابتسمت لها متسائلا :
- خير يا "حياة" ... في حاجة
- أيوه ... تعالى وصلني المدرسة عشان بابا نزل بدري وموصلنيش
- مانتي شايفة يا ماما إن عندي شغل كتير ... روحي خلي "أسامة" يوصلك
- قلتله ... قالي هوه مفيش مرمطون غيري في البيت ولا إيه ؟
- ومحمد ؟
- نطيت في كرشه تلات مرات ... بس مش عايز يصحى برضه, ده كان فاكرني حتة جاتوه وهياكلني, بس ربنا أنقذني ...
- طيب يا غلباوية, أنا مش فاضي ... شوفيلك مواصلة تانية

نظرت الفتاة إلي شزراً, ولولا أني أعلم أني أخوها الأكبر لركضت خوفا من أن تناولني "لكمية" محترمة, ثم نفخت هواءا ساخنا أول الغرفة لدرجة الشواء, وانطلقت تدب على الأرض مبرطمة بكلام من عينة "يارب خدني من البيت ده وريحني ... كان لازم يبقالي أخوات ... يا رب النت يولع"

أمسكت أعصابي .. وأدركت أن الحوار لم ولن ينفع معها, حسنا , المرة القادمة سأستخدم أسلوب أبي الناجح مع هذا الجيل المتعفرت ..
عدت بنظري إلى شاشة الجهاز وبدأت في العمل و ...

- تامر
- تااااااااااامر
- تاااااااااااااااااااااااااااامررررررررررررررر
آه ... أمي العزيزة ... لا زالت تصر على إيقاظ عم مرعي الأطرش الذي يسكن بالقرب منا ... قمت بسرعة متوجها لها قبل أن تصاب أسود الكونغو بالصمم, ونتكفل نحن بفواتير علاجها ...

وصلت لها في غرفتها قبل أن تبدأ في وصلة تامرية أخرى ... سألتها :
- خير يا حاجة
- معلش يا تامر يا أخويا ... خد البنت أختك وديها المدرسة
رمقت تلك العفريتة الصغيرة ذات البوز الملتوي بنظرة غل, ورددت :
- مش هينفع يا أمي ... معايا شوية شغل
- يابني روح بسرعة .. دول خطوتين
- يا حاجة مبحبش أقطع تركيزي, سيبيني في حالي
- معلش يا تامر ... مفيش حد غيرك
- بصي يا حاجة ... أنا مش فاضي خالص, ومش هروح أوديها ...

---------------------------------


أسير في الشارع بجانب تلك المزعجة موصلا إياها إلى المدرسة ... لا أعلم كيف انتهى بي الحال هكذا, لكنه انتهى على أي حال !!!
- تامر ... انت جاي بالترنج والشبشب المقطوع ده ؟
- أيوه يا أستاذة, فيها حاجة ؟
- لأ يعني .... بس احنا رايحين المدرسة و ...
- يعني رايحين حفلة تخرج ولا سهرة سواريه ؟ دي مدرسة ابتدائي كحيتي
- تامر ... يعني إيه سواريه ؟
- ده المكان اللي بيحطوا فيه العيال اللي بترخم على أخواتها الكبار, ويفضلوا يزغزغوا في رجليهم لحد ما سنانهم تقع
- طيب طيب ... خلاص

مشينا شوية ....
- تامر ... متجيبلي عود قصب ...
- أنا ممكن أجيب واحد أكسره على دماغك ... انجري يا بت على المدرسة ...
- يووووه ... دي بقت حاجة صعبة, أنا هبقى أجيب واحد بعد المدرسة وأغيظك بيه
- غيظي ياختي ... فاكرة نفسك جايبة عود دهب؟ .. ده حتى مسوس والراجل بخلان يحشيه ...

وصلنا مدرستها المتهالكة وعبرنا بوابتها, الأطفال في كل ركن وكل زاوية, أطفال عند الباب, في الحوش, في الحمامات, فوق النخل, حتى أني أخرجت طفلا من بين قدمي كان يبحث عن "بلية" !!!

وبينما أنا في هذا الهرج, تركت أختي يدي فجأة, وهي تجري منادية : ازيك يا ميس "هيام" ؟
التفت إليها لأريها النجوم في عز الظهر ولأطلق قذائف "البونيات" التي سوف .....
- ازيك يا حياة ؟

احم ... وقفت كالتمثال, وتجمد كل ما حولي ... وأنا أطالع حياة تسلم على أستاذتها "هيام" وتضحك معها.
كانت أستاذتها تلك ترتدي إسدالا, وتملك وجها مريحاً رقيقاً جذاباً , يشع منه نور آسر و ...
- حضرتك أخوها ؟

أفقت على سؤالها مكتشفا أني أنظر إلى عينيها مباشرة, أسرعت أغض بصري محاولا الرد :
- نعم ؟ .... إيه ... آه .. أيوه أيوه ... أخوها ... هيهيهيه
- بص يا تامر ... دي أبلة "هيام"
- أيوه ... دي "حياة" بتحكي عنك كتير, بتقول : أنا مبفهمش العلوم إلا من ميس "هيام"
- احم ... تامر, العلوم بتاعة ميس "رغدة", أبلة "هيام" مسئولة المكتبة ...
- إيه؟ ... أيوه ... سوري ... أصل عندي زهايمر في الأسماء ... معلش
أخذتُ أحاول مداراة الشبشب المقطوع, و مساواة شعري الذي يشبه "لفة سلك المواعين", وهي ترد :
- ولا يهم حضرتك ... على فكرة , أختك "حياة" ممتازة جدا ... ربنا يخلهالكو
- ماهو "تامر" اللي بيذاكرلي يا ميس
- بجد, دي حاجة كويسة جدا انك تاخد بالك منها
- يوه, دي حاجة بسيطة جدا ... أنا بحب دايما أخدم النشء الصغير, دول زي أولادنا برضه
- ربنايكرمك ... طب نستأذنك عشان الطابور هيبتدي ... سلمي على أخوكي يا "حياة" عشان نمشي

جرت العفريتة الصغيرة نحوي, انحنيت أقبلها وهي تردد :
- زي أولادنا برضه؟! أقولها إنك موصلني بالعافية ؟
- تظاهرت بالابتسام وأنا أضغط على أسناني :
- خليكي جدعة, وهجيبلك قصب المرة الجاية
- وكراسة رسم وكيس دوريتوز ... اتفقنا ؟
- طيب يا مستغلة
ضحكت وانطلقت إلى معلمتها, ثم اتجهتا معا إلى أرض الطابور بينما غادرت أنا المدرسة, ولكن ليس كما دخلتها ...

---------------------------


أنهيت عملي في ذلك اليوم بين تركيز وتهييس, ثم انطلقت عائدا إلى البيت, تناولت العشاء على عجل ثم ناديت "حياة":
- إيه يا توتة ... مش عايزاني اذاكرلك ؟
توقف البيت كله فجأة, ونظر لي الكل في استغراب ... تنحنحت بحرج وأنا أردد :
- أنا بس قلت الامتحانات قربت فلازم ناخد بالنا منها ...
رفعت أمي حاجبا وخفضت الآخر مرددة :
- خير ... خير ... هيه فعلا محتاجة حد يذاكرلها اليومين دول

جاءت "حياة" ناظرة إلي من تحت لتحت قائلة :
- آآآآه ... تذاكرلي ... ولّا عايز تعرف عن أســ ...
كتمت فمها بسرعة, وربطتها, ثم أختها طيران على الصالون وأغلقت الباب من خلفي ... القيتها بعد أن عضت يدي, ثم هددتها :
- عارفة لو استهبلتي وعملتي فيها ناصحة ... هرميك من السطوح عند الكلب بتاع الواد حمادة ....
- لاااااااااااااااااا ... خلاص يا تامر ... عشان خاطري معلش ...
- أيوه كده اتعدلي, عالم متجيش إلا بالعين الكاروهات ...

تذكرت فجأة أني أنا من يحتاج إلى المعلومات, وأني في موقف الضعف, تذمرت من هذا الموقف الذي يجعلك لعبة في يد طفلة عفريتة في الصف الثالث الابتدائي لا تعرف الفرق بين الجامعة والجمعية ...
انحنيت في عطف أبوي شديد, وفي صبر أقل من صبر أيوب قلت لها:
- حيوته ... حبيب قلبي ... أنا يهمني مصلحتك ...
- أكيد .. مانا عارفة
- بقولك صحيح ... مين ميس "هيام" دي ؟
- دي مسئولة المكتبة, أصلي في الفسحة والحصص الفاضية بروح المكتبة أقرا كتب, فهي عارفاني وسعات بتقعد تتكلم معايا
- طيب بصي يا "حياة" ... أنا هطلب منك مهمة سرية ... توب سكريت يعني ...
وانحنيت على أذنها أخبرها بتفاصيل خطتي الخاصة...

-----------------------------------------


استمر الموضوع أياما, كنت آخذ "حياة" إلى مدرستها يوميا, مرتديا ملابس العمل ومصففا شعري كـ "ألفيس بريسلي" هادفا إلى رؤية "هيام", في بعض الأحيان كنت أستطيع مقابلتها, وأحيانا أسألها عن أحوال أختي في الدراسة بحكم متابعتها لها, وعند عودتي من العمل أجد نفسي أستمع إلى أناشيد من عينة "زوجتي" و"أفراح وورود" و"ياجماله" بكثرة ... بل إني فسدت لدرجة أني أقرأ بعض الشعر الجاهلي خلسة !! ... ده الموضوع بقى خطير ...
كل ذلك وأنا أكون قراري المصيري ...

----------------------------------------


"تتجوز؟؟!"

نطقت أمي بالكلمة في استغراب ونحن على مائدة الطعام, أخي يضحك بصوت عالٍ جدا, وأخي الآخر يغمز بعينيه مرددا :"ياواد يا لئيم" ... بينما أختي تسائلت : ومين دي بقى ؟ ... طبعا أبي لا يزال يطالع الجريدة ولم يكلف نفسه بمتابعتنا ...

انحنيت على "حياة" لأخذ رأيها, تهامسنا قليلا, وأمي تنظر باستغراب :
- شوف ياخويا العيال, انت بتاخد رأي المفعوصة دي ولا إيه ؟؟
اعتدلنا, و"حياة" على وجهها نظرة ثقة لإحساسها إنها أصبحت كبيرة ويؤخذ برأيها, بينما تكلمت أنا :
- دي الأبلة بتاعة "حياة" في المدرسة ... مسئولة المكتبة و ....
- إيه ده؟ ... وهي عارفة إنك ساقط محو أمية ؟
- اوعى لما تتجوزوا تجيبوا رف إيجار, دوروا مكتبة تمليك أحسن
أخذ هذان الأخان الظريفان بالضحك على تعليقيهما الأخيران, ويصفقان بيد بعضهما كمجاذيب القرون الوسطى, نظرت بقرف إليهما وأوضحت :
- لن أقول إلا ..... ربنا يشفي البعدا ...

سألتني الحاجة : وظروفها إيه دي ؟
- عادي, انتين نظام وكتالوج استعمال يصرف عند الزواج ... بيقولوا عندها أربع سرعات ..
- احنا هنهرج يله؟ ... يعني احكيلنا عنها ...
- بهزر يا أمي, بلاش قلبك يبقى ناشف زي أبويا ....

أنزل أبي الجريدة .. أخيرا الراجل فاقلي ... ثم تناول حبة عنب ألقاها في فمه كأجدع نشنجي ... رفع الجريدة, وعاد مرة إخرى إلى حالته
زفرت في يأس ... ثم تابعت محدثا أمي :
- هي إنسانة مؤدبة ومحترمة, مثقفة, متدينة, أبوها وأمها كانوا منفصلين بس ...
- إيييييييييه ؟؟؟

صرخة مدوية, فوجئت أن مصدرها أبي ... أمي تضرب يدها على صدرها ... وصوت أبي الهادر يتابع :
- جايبلي بنت مشردة يابن الــ ...
- أأأ ... حاسب يا حاج ... "حياة" قاعدة
تجمد أبي في مكانه مطالعاً وجه تلك الفتاة البريئة ... ثم نظر إلي نظرة نارية مرددا :
- تعالالي على أوضتي يا محترم
ثم ذهب إلى هناك ... أخذت أهدئ من روعي, أنا خلاص كبرت وشغال ... مش معقولة أبويا هيمد إيده تاني عليا يعني ... أنا راجل ملو هدومي وشغال ... أخذت أشجع نفسي حتى وصلت إلى غرفته وطرقت الباب, فرد : خش يافندي
صوته الجهوري جعلني أعيد النظر, الراجل ممكن يغير رأيه فعلا ... ويمد إيده ... ويكسرلي ضلعين تلاتة ... مش الجري أحسن برضه؟؟؟ .... أنا إيه بس اللي خلاني عايز أتجوز ؟؟

ازدرت ريقي, ثم دخلت ... وتبعتني أمي
أبي : عايز تتجوز واحدة أبوها وأمها منفصلين ؟
رديت : يا حاج .. إيه المشكلة يعني ؟
- المشكلة ... المشكلة ... إن أبوها وأمها منفصلين ..
- أيوه ... يعني إيه المشكلة إن أبوها وأمها منفصلين طالما هي متدينة وعلى خلق ...
- شوفوا الواد ياخواتي ... أقوله منفصلين يقولي مؤدبة ... أم تامر شوفيلك صرفة مع الواد ...
هرعت لي أمي قائلة : يابني ... أبوك قصده, هنقول للناس إيه .. أبوها وأمها متطلقين
- وأنا مال أهلي (سوري يا حاج) ... هوه أنا هتجوز أهلها ولا هعيش معاهم ... أنا هتجوزها هيه ...
- مينفعش يا تامر ... أنا وأبوك أدرى بمصلحتك ...

نظرت لهما مندهشا, مصلحتي ؟ ... همه عايزيني أعنس ؟ ... نقلت بصري بينهما, ثم غادرت دون كلمة أخرى ..

وهكذا ... ولمدة شهر ... أخذت أخوض جولات نقاشية مع والدي ووالدتي, تارة بالشد, وتارة بالشد !! حتى أني فكرت في عمل اعتصام سلمي أمام المطبخ, وتقديم شكوى إلى الأمم المتحدة ضد والدي, لكني خفت على البنت "حياة" العفريتة, فآثرت المحادثات السلمية ...
وبعد كل ذلك, وافق والديّ على مضض ... أسرعت أقبل الأيدي والأقدام ... وقررت التقدم لها في المرة القادمة التي أراها فيها ...

--------------------------------------

"حياة" أختي الصغرى ... رغم محاولاتها أن تبدو لمضة, إلا أنها بريئة برائة عصافير الكناريا التي تعيش في القمر, وهذا ما تأكدت منه في هذا اليوم ...
عدت من عملي مجهدا يومها, وقد قررت أن أفاتح "هيام" في اليوم التالي, وبينما أنا أتناول العشاء, ركضت ناحيتي كتلة الضوضاء المتحركة ...
- تامر ... تامر ... ابقى هاتلي معاك دوريتوز المرة الجاية
- حاضر يا توتة ... انت تؤمري
- آه صحيح ... خد الشيكولاته دي
- جميلة ... جبتيها منين ؟؟
- أصل أبلة "هيام" اديتهالي النهاردة ...
لمع في رأسي فلاش الأحلام الوردية بمجرد ذكر اسمها, وأنا لا أطيق صبرا لأكلمها غدا و ...
- بمناسبة خطوبتها ..





- نعاااااااااااااااااااااااام !!!!!!

اجتمع البيت كله على صوتي وأمي تهتف: خير يا تامر ... في حنش قرصك ؟
أصبحت كالمسبهل والريالة تتساقط من فمي ونظراتي زائغة ... سارع أبي :
- انتي قولتيله إيه يا بت اني ؟؟ انطقي ..
الفتاة المسكينة مخضوضة ورددت في خوف بصوت يقارب على البكاء :
- ولا حاجة ... بديله شيكولاته, وبقوله بتاعة خطوبة أبلة هيام و ...
لم يتمالك محمد أخي نفسه وانفجر ضاحكا بعنف ... نظرت إليه بغل, لا أستطيع مقاومة قتل ذلك الباعوض الذي يتجمع على قفاه, لا أستطيع .... طاااااااااخ

----------------------------


السابعة والنصف صباحاً ... أسبوع من هذا الموقف ... "حياة" تحاول إيقاظي مرددة :
- تاااااامر ... قوم وصلني ...
شخيري يتقطع ... وانا أرد :
- روحي شوفيلك حد تاني يا بت..
- مش هتيجي معايا ... عشان تسأل أبلة "هيام" أنا عامله إيه في المدرسة ؟
ضحكة مرارة مكتومة انطلقت مني .. البت دي بريئة طحن ... رددت دون أن أفتح عيني ...
- كان زمان وجبر ... معدش في فايدة ... روحي اتنيلي على مدرستك
كتمت الفتاة بكائها ... وانطلقت تدبدب في الأرض بغضب مبرطمة بكلام من عينة "أخوات فظاع" و "إيه البيت الخنقة ده يا ربي" ...

بدأت أغيب عن الوعي متجها للنوم ... لكني بالتأكيد سمعتها تردد شيئا ما ... يتعلق بـ "العالم المصلحجية" ...

بلا وكسة ...


يوميات باحث عن عروسة - بارت ثري

اللي يحب يبظ بظة على "البارتات" اللي فاتت :

يوميات باحث عن عروسة, بارت وان
يوميات باحث عن عروسة, بارت تو



يوميات باحث عن عروسة – بارت ثري

.....................................................


لا أصدق ذلك, بل لا أصدق نفسي حتى ... ها أنا بعد رحلة المعاناة الطويلة, والتنطيط في شقق الناس, قد جلست أخيرا في الكوشة بالبدلة السوداء, وابتسامتي تشق وجهي إلى نصفي بطيخة طازة, بينما ألمح هذا الحقد العزوبي في أعين ذاك الركن الذي اجتمع فيه أصدقائي القدامى ... أستطيع أن أسمعهم يتحدثون عن "ابن المحظوظ ده" الذي حاز للتو لقب متزوج جالسا إلى جانب عروسه التي ...

- تامر

التفت إلى العروسة ... غريبة !!! ... لا أستطيع تبين ملامحها ... هل هذا عائد إلى إرهاقي الشديد

-يا تامر

أفقت من تساؤلاتي مجاوبا : خير يا حبيبتي ؟

لكنها استمرت ... تامر .... تامر

ثم ... فتحت عيني ... لأجدني على سرير غرفتي محدقا في شهادتي الجامعية التي أصررت على تعليقها في غرفة النوم برغم حملها لقب "مقبول" أو "يدوب ناجح" على رأي أبويا

" تامر .... يا تااااااااااااااااااااااااااااامر"

أفقت أكثر ... ده صوت الحاجة ... حبيبة قلبي, عليها صوت يصحى الزومبي النايم في مدغشقر ... قمت واعتدلت في سرعة محاولا الرد, قبل أن تطلق نداءا آخر يتسبب في انهيار صخري جديد في المقطم :
أيوه يا أمي, خير ؟
الأكل يا حبة عيني, يلا لحسن هيبرد
حاضر, حاضر ... جي أهوه

قمت في تثاقل كدب قطبي أكل للتو عشرين بطريق ولم يتناول حبة فوار واحدة, تعثرت في بعض الألوان والكشاكيل الدراسية التي تلقيها أختي الصغرى في كل مكان معتبرة أن هذه "ديموكراسي" كما أفهمتها الميس, وأن "الأرض أرض ربنا, براحتي" كما أفهمتها جارتنا أم "وي وي" ...

من الصعب أن تنام بهدوء في يوم الجمعة, خصوصا إذا كان عدد سكان البيت يكاد يقارب فريق كرة قدم خماسية بالحكم, وإذا كان عليك الاستيقاظ مبكرا لأن الحاج ممكن يقلبها معسكر تعذيب لو لم يتناول إفطاره قبل الصلاة.

وصلت إلى السفرة, أو "استاد الأكل", أبي يقرأ الجريدة في صدر المائدة, أو أنه يستخدمها كحائط صد دفاعي, أمي مثل النحلة بين السفرة والمطبخ, العيال قالبينها ملاهي ... أزحت في هدوء كتب محاضرات أختي الكبرى, أحنيت رأسي بسرعة لأتجنب تلك الكرة التي ألقاها أخي عليّ ظاناً أني "دونالدو" كما يدعي, أخرجت في لا مبالاة قلما من طبق الفول الخاص بي صائحا:
مين يا إخوانا اللي ناسي قلم المذاكرة هنا ؟
تناولته أختي وهي تردد : إيه ده ؟ ... مش تقول إنه معاك من الصبح بدل مانا دايخة عليه ؟
رددت بعين نصف مفتوحة : معلش ... كنت عايز أدوقه مع الفول بالزبدة ... بيقولوا دايما "عليك بعصير العلم"

ثم انفجرت ضاحكا, ضاحكا بعنف ... فتحت عيني لأجد الكل ينظر لي في ازبهلال واضح, وأبي لا يزال يقرأ في الجريدة , بينما تقول أمي :
إنت لسه سخن يا تامر يابني
تلاشت ابتسامتي في هدوء معتاد وأنا أردد :
ولا حاجة ... شكلكو شاربين عصير "نكد وز" على الصبح

أخذت رغيفا من بتوع الجمعية, والذي أكاد أقسم أنه لولا لوحة مضيئة تضع سهما عليه لتخبرك أنه "رغيف عيش", لم أكن لأعرف ذلك وحدي ... قطعت لقمة "جملي" تدل على جوع فحيت, غمست اللقمة بربع طبق الفول, سميت, ورفعتها إلى فمي بينما رائحة السمنة البلدي تداعب نخاشيشي و ...

- بقولك يا تامر يابني

تجمدت يدي عند هذه الوضعية, نقلت بصري إلى مصدر الصوت بينما فمي لا يزال مفتوحا, وهناك, من خلف الجريدة, أطل أبي بوجهه الطيب مرددا:
انت مش ناوي تتجوز بقى ؟

"يادي الداء اللي منتشر في العيلة دي, هوه حد عاملهم عمل اسمه جوزوه" هتفت بالكلمات في سري, ثم ... أغلقت فمي, وأنزلت اللقمة في حسرة, لمعرفتي أن هذا بداية حوار أطول من مفاوضات حرب البسوس ...
طبعا, لم تسلم العبارة من تعليقات "آه يا توتي, نفسنا نفرح بيك بقى" , "بجد يا تامر انت لازم تشد حيلك" , "تامر ... انت هتتجوز وتسيبنا ... واااااء" ... و ... "يا حاج يتجوز إيه, ده ياكل العروسة وأبوها في طقة واحدة"
نظرت إلى أخي -الذي يصغرني بعام وصاحب التعليق الأخير- شزرا , ثم عدت إلى أبي:
خير يا حاج يعني ... إيه اللي فتح السيرة دي معاك ؟
ولا حاجة ... أصل ليا واحد صاحبي في الشغل, حبيبي أوي , من أيام ما كنا في السعودية, أيام ما اتشحططنا , عارف عمك ده .....

واستمر أبي يحكي قصة فتحه هو وصديق عمره لطروادة, وانتصارهم على الأناكوندا في أدغال المسيسيبي, بل وصل الأمر إلى سرد أسماء كل عسكري في جيش تحرير أكتوبر ... وأخيرا ..
بس يا سيدي, فمن يومين, كان جايب بنته معاه و ... إيه ده؟ ... انت نمت يا تامر ؟ تااااااااااامر ...
هه ... أيوه ... معلش ... نعم ... بتقول إيه يا حاج ؟
مش قلتلك بطل سهر على أم النت والقرف ده ؟ ... المهم, هوه كان جايب بنته معاه, شفتها وحسيت إنها تنفعك ... إيه رأيك ؟
رأيي في إيه ؟
يبقى على بركة الله ... أنا حددت معاه ميعاد النهاردة بليل ... روح أجرلك بدلة ..
!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!

---------------------------------------------


في تمام التاسعة مساءا, كنا نقف, أنا ووالدي, أمام عمارة في أحد الشوارع المتفرعة من شارع الهرم ... هم أبي بصعود المدخل, لكني أمسكت ذراعه بسرعة متسائلا:
طيب يا حاج أنا معرفش عنها أي حاجة خالص, انت عارف إني عايز شروط في اللي هتنيل أتجوزها ...
يابني دي بنت مؤدبة وجميلة ومتدينة كمان ... صدقني الوضع هيعجبك ...

نفخ والدي في روحي اليائسة, ورفع من معنوياتي التي كانت قد وصلت إلى بير سلم العمارة, فأخذت نفسا قويا , وصعدت معه ..
صعدنا إلى الشقة حيث استقبلنا والدها بحفاوة تنافس أجدعها وزير, أدخلنا إلى الصالون, وجلس معنا مرحبا ...

شوية رغي, ثم قال والدي : طيب مش هنشوف عروستنا سارة ؟
نادى الأب عليها ... دخلت في حياء ... ونظرت إليها ... يادي النيلة ... إيه ده ؟
بنطلون وبلوزة ومسرحة شعرها ولا بسة "برادا" ذات الكعب العالي و .... من الآخر , مجلة موضة على ساقين ...
ميلت على والدي هامسا :
- إيه ده يا حاج ... انت متأكد إن دي بنت صاحبك ولا حضرتك غلطت في العنوان ؟ ... مش بتقول متدينة
- أيوه يابني, دي لما بتيجي تنام بتقلب الراديو من إف إم على إذاعة القرآن الكريم ...
- لا بجد ؟ ... هوه ده بقى التدين ؟
- انت هتعلمني من الأول ياض انت, أنا غلطان إني مشيتلك في موضوع

أخرجت زفيرا حارا من ذلك البركان في صدري, لكني قررت ألا أظلم الفتاة وأن أتحدث معها أكثر , فقد يكون ما تبطن أفضل مما تظهر ...
- ازيك يا أستاذة سارة ؟
- كويسة ... تسمحلي أسألك سؤال ؟
- فاجئني أنها هي التي بدأت ... لكني لم أجد أي مشكلة وأنا أحثها : أكيد ... اتفضلي
- انت عايز تتجوز ليه ؟
- أصل عليا جمعية وعايز حد يسددها معايا
- نعم ؟
- إيه السؤال الغريب ده, يعني إيه عايز أتجوز ؟
- يعني انت عايز تتجوز عشان الجواز ولا عشان إيه بالضبط ؟

"البت دي هتطلع زرابيني (اللي معرفش معناها لغاية دلوقتي) وهتخرجني عن شعوري" همست في سري,ثم, تمالكت أعصابي, وأنا أرد :
- بتجوز عشان سنة الحياة, عشان تأسيس أسرة مسلمة, والواحد يحصن نفسه و ...

- يعني كده, ... البنت في نظركم مجرد بضاعة ..

"نظركم ؟!! بضاعة ؟!! هي الأخت منين"

- مش فاهم قصد حضرتك

- يعني أنا شايفه إنك مربي دقنك ... يعني من الناس دول المتزمتين ... بتوع الدقن والجلابية ...

أيوه ... وفيه ناس منهم شاطرة بتصنع أسلحة نووي من أقراص الطعمية المزيتة

- سيادتك بتهزر ؟

- لأ ... بضحّك بس

- طيب وانت شايف المفروض تعامل مراتك إزاي ... عشان أنا عارفة إنكو بترجعوا بالزمن لورا ؟

أبدا ... بجيب خيمة 50 متر في الصحرا, وبروح الشغل بناقة مرسيدس فور باي فور, وأربط مراتي بسلسلة من رقبتها لحد ما أرجع تكون عملت الطبيخ ... وبعدين أقضيها ضرب فيها بالكرباج لحد قبل ما أنام ... في الآخر بزنبها ترفع حلة محشي ووشها للحيط لحد الفجر

- أنا مش عارفة إنت ليه عمال تهرج ؟

- وأنا نفسي أعرف بتجيبي الكلام ده منين ؟؟

- لأ ... أنا كلامي واثقة منه ... أنا دايما متابعة البرامج الوثائقية على "سي إن إن" و"فوكس نيوز" و"فورمز" متخصصة في المجال الاجتماعي تابعة لجامعة أكسفورد

- طيب ما هو بدل ما تروحي تاخدي الكلام من ناس عايشة بعيد عننا في الناحية التانية من الأرض, تنزلي تحت الشارع وتشوفي عم حسين بتاع الفول والشيخ علي المحامي وأم حبيبة الدكتورة ... عيشي مع الناس بجد وافهمي الحياة

- إزاي يعني عايزني أسيب الكلام "الديكيومينتري" الموثق ده وأسمع لشوية ناس وأقتنع بيهم ؟

- لأن الكلام الموثق ده معمول عن الناس دي, ومحدش هيعرف عن الناس أكتر من الناس نفسها ...

- مش مقتنعة ... انتو عايزنا دايما نرجع لورا, للخيمة والسيف والـ "هورس"

انتو مين؟ هو أنا جايب قبيلة جاية تتجوزك ؟؟

- شايف أسلوبك الهمجي ... لأ, وبعد ما نتجوز تقولي أنا عايز أجوز تلاتة تانيين عشان الشرع محلل أربعة

- ليه يا ماما؟ ... هوه أنا قادر أجيب شقة لجوازتي الأولانية لما هتجوز تلاتة تانيين, ده غير إن مش أي حد يتجوز أكتر من واحدة أساسا, فيه شروط ؟ ... وبعدين إنتي قريتي لمين في موضوع الزواج من أربعة ؟

- أحد المستشرقين اللي عاشوا في التمانينات ... وبيقول إن الموضوع مجرد فهم خاطئ

- طيب يافندم ... ممكن تدوري على حد من أحفاده الأوائل عشان تتجوزيه ما دام هوه اللي بقى يفتي دلوقتي ...

التفتُّ إلى والدي اللي شكله "اتمزج" بكلامي, وإلى أبيها "المصدوم" من كلامها قائلا :
طيب معلش يا حاج, "ليتس جو", عشان شكل الأستاذة سارة عايزة حد من "الهيومان رايتس" ...
سحبت أبي من يده وهو مسبهل مرددا : من الهيومان إيه ياخويا ؟؟؟
ثم ذهبت إلى صديقه العزيز, سلمت عليه , وهمست له : خلي بالك من بنتك يا حاج ...

--------------------------------------------


نزلنا أسفل العمارة ودمي يفور من حرقة الدم , بحثنا عن مواصلات حتى البيت, لم نجد ما يوصلنا, فزاد هذا من غضبي ...
فجأة, وجدت أبي يطبطب على ظهري قائلا : اهدى يا تامر, الموضوع مش مستاهل

- متضايق ... متضايق جدا يا حاج من التفكير ده ...

- يا عم ... خليها على ربك ... انت قولتلها رأيك والهداية بإيده سبحانه وتعالى

- أخذت نفسا عميقا ثم أخرجته في حرقة محركا رأسي تأييدا على كلامه , ثم مال عليا قائلا :

- طيب ... مادام الموضوع خلص بدري, وانت عايز تهدى ... إيه رأيك نروح المكان إياه ونضربلنا اتنين من اللي بالي بالك ؟

- لا يا حاج ... بتتكلم بجد؟ .. دي أمي لو عرفت هتعمل مشكلة

- ومين اللي هيقولها يلا ... يلا بينا بس

أطعته, واستقلينا ذاك الميكروباص من على الناصية متوجهين إلى "الجيارة", حيث جلسنا على طاولة مخصوص ... وطلبنا من عفيفي اتنين ...




اتنين عصير قصب ...


بتلجهم ...